loading

أظهر المعلومات

© Meshbak 2023
Saudi Arabia, Riyadh

تم نشره مايو 21, 2023

كيف تساهم الإعلانات في تقريب الثقافات؟

في عام 2018، أطلقت «بيبسي Pepsi» حملة تسويقية عالمية تضمنت إعلانين وجّهت الأول لجمهورها في السعودية، والثاني لجمهورها في مصر أم الدنيا. ورغم أن الجهة المُعلنة واحدة، وهدفها في الإعلانين الاثنين هو ذاته، إلا أن كلاهما حمل رسالةً مختلفة وطابعًا يختلف كليًا عن الآخر.

 

فما الذي فعلته بيبسي؟

كشركة عالمية تملك جمهورًا يمتد في كل البلدان، تدرك بيبسي جيدًا أن الثقافات هي وصل متين يمتد بينها وبين جمهورها من مختلف الشعوب، كمفتاحٍ جوهري تكسب فيه ود قلوبهم وإن تعددت لغاتهم وقيمهم ومفاهيمهم الاجتماعية. فبينما جاء إعلانها السعودي بلهجة محلية مألوفة، وقيم يتشاركها كل السعوديين في المجمل، ووجوه سعودية مرَّت ملامحها على شاشتنا وأصواتها على مسامعنا مثل عبادي الجوهر وفايز المالكي، جاء إعلانها في مصر بطابعٍ غنائي بهيج باللهجة المصرية يعيد الأفلام والأغاني المصرية الكلاسيكية إلى الحياة، من سعاد حسني وشكري سرحان في «الزوجة الثانية»، إلى عمرو دياب في «الحمدالله على السلامة». تفاصيل ثقافية اختلفت في اللهجة، الألوان، الأزياء، وحتى الأسلوب، لتخبرنا أن الإعلان ناجحٌ وقد وصل، طالما بُني حولنا.

 

ثقافي حد النخاع

في فترة ماضية، وحين نستذكر الإعلانات قبل عشرة أعوامٍ وما يزيد، نرى أن إعلانات ذلك الوقت كانت «مستوردة»، بوجوهٍ وكلامٍ وأفكار لا تتماشى مع ما نعيشه ونألفه بحياتنا وما يدور في بيوتنا. لم تكن الإعلانات سوى وسيط دعائي يخبر الجمهور أن عليهم شراء المنتج الفلاني، دون أن تكون ذات معنى أبعد عن الترويج. لا تتعلَّق الإعلانات المصاغة حول الثقافة بارتداء غترة، واستخدام مثل شعبي، والتصوير في مجلس يبدو من مجالسنا، أو حتى ظهور مُقتطف لولد الحارة. الإعلانات ليست استعارات، بل هي أقرب أن تكون كشبكة أصيلة تتقاطع مع قيمنا، عاداتنا، أفكارنا المشتركة، «قطّاتنا» وسواليفنا، وتمتزج مع أكثر الأشياء خصوصية في مجتمعنا كعلاقاتنا داخل العائلة الواحدة. في مشبك، أنتجنا إعلاننا «مرسول.. أخوك اللي ما يقول لا» حول علاقة السعوديين بأخواتهم؛ «المصلحجي» الذي يريد مقابلًا لروحة البقالة، «الهيبة» المشغول طوال وقته، و«الفاهي» الذي قد ينسى قائمة المقاضي مجرد خروجه من البيت.

هذا يجعلنا نتساءل، هل الثقافة مجرد فكرة؟

الإعلان هو مجموعة عناصر تعمل معًا لإنتاج صورةٍ لا تنسى وصوتٍ يتردد في الأذهان. رغم أن الفكرة هي الأساس، إلا أنها ليست كافية لأن يمثل الإعلان الثقافة خير تمثيل، فهناك رمزيات وصور ينبغي أن تكون في مكانها الصحيح في إطار الإعلان، وتفهم ثقافتها وسياقها الاجتماعي. فما هي تلك العناصر التي تساعد إعلانك أن يبدو كصديقٍ مألوف لمشاهديك؟

  • اللهجة

كلما تحدث إعلانك بلسان عملائك، كان أكثر قربًا لهم. لا تتعلق اللهجة فحسب بالكلمات التي تُقال، بل بنبرتها و تلقائيتها وقوة استخدامها أيضًا. الكلمات، التعابير، الأمثال الشعبية والحكم الاجتماعية، كلها مكونات تدخل في لهجة الإعلان. 

  • القيم الاجتماعية

القيم هي تلك المبادئ التي يتفق عليها معظم الشعب الواحد، والتي تمثل ما يدافعون عنه وما يؤمنون به مشكلةً النسيج الاجتماعي الذي يربطهم ببعضهم. في السعودية على سبيل المثال نقدر قيم الترابط والتلاحم، الكرم والعطاء، المساعدة والنخوة، وهي قيم تكفي لبناء الأساس لإعلانٍ كامل كما فعلنا في مشبك في إعلاننا «تبرع يطرق الباب» للمنصة الوطنية للتبرعات.

 

  • السلوك

يعبر السلوك عن أسلوب حياتنا في العيش وكيفية تعاطينا مع أمور معينة، وقد يختلف من مناسبةٍ لمناسبة، أو من سياقٍ لسياق. أنتجت العلامة الكويتية «مق كافيه هاوس Mug Coffee House» في 2018  إعلانًا غنائيًا حول سلوك معظم الشباب تجاه القهوة؛ انتظارهم الطويل لحصولهم عليها، حبهم لحلاوتها أكثر من مُرّها، وطعمها الذي «يجيب راسك يجيبه»، ما جعل الإعلان يخرج من حدود الكويت وينتشر في أوساطنا السعودية كسلوكٍ جماعي نتفق عليه في مجملنا.

  • الألوان والمؤثرات البصرية

تحدد مناسبة الإعلان طبيعة ألوانه، ويحدد جمهوره المستهدف نوعية المؤثرات البصرية المستخدمة. كإعلانٍ موجهٍ للمسلمين في رمضان قد نفضل الألوان الهادئة والدافئة كالأبيض والأخضر والأزرق الداكنين والمؤثرات البصرية البسيطة، وكإعلانٍ لكأس العالم نحب أن نرى ألوانًا متنوعة تعكس لنا تنوّع بلدان هذه المنافسة العالمية بمؤثرات سريعة، حماسية، وانتقالية. في إعلان بيبسي الذي استهلّينا به التدوينة، نرى إعلان مصر يستفتح بالأبيض والأسود إشارةً للسينما المصرية الكلاسيكية، ونراه في إعلان السعودية يتلوّن بألوان أقل حدة لتعزز رسالة الإعلان في استثارة العواطف.

 

من أم تطبخ لازانيا، إلى شباب في كشتة يعدّون الكبسة

اكتست الإعلانات في الفترة الأخيرة بطابعٍ محلي يكشف عن صناعةٍ إبداعيةٍ سعوديةٍ أصيلة، لم تكتفِ بتمثيل ثقافتنا بل عرّفتنا عليها أكثر وجعلتنا أكثر انتماءً لها. في إعلانها «منيو الطيبين» حكت لنا هرفي باستخدام مفهوم «العيارة» بعضًا من العيارات التي نلقّب بها بعضنا في صغرنا، مثل «بوز الملز» و «دافور العليّا» وباستعارات ثقافية مثل الصوت الشعبي لمدينة الرياض «بشير شنان» وهواية تجميع «القواطي». أو كما فعلت وزارة الثقافة في إعلانها العام الماضي  «القهوة السعودية؛ عادات وسلوم»  التي أخذتنا في جولةٍ اجتماعية إلى ثقافة تقديم القهوة السعودية ومدى عمق مدلولاتها في مجالسنا.

لم يحوي سياق الإبداع المحلي الثقافة فحسب بل امتد لتاريخنا وماضينا، كما فعلت «مايسترو بيتزا» في إعلانها «أجل نحن الحجاز ونحن نجد» حين أتت على ذكر شخصياتٍ تاريخية سعودية صنعت فرقًا في مسيرة الوطن. وليس ذلك فحسب، بل خرجت الإعلانات السعودية عن إطار نقل الثقافة كما هي وأصبحت تُبدع في تجسيدها بإضافة جُملةٍ من الابتكارات «الناعمة» عليها، كإعلان «مؤسسة مسك الخيرية» في اليوم الوطني 87  التي قدمت فيه العرضة السعودية بأسلوب الأوركسترا العالمي. ومن القصائد والأغاني، الاستعارات الثقافية، الرمزيات الاجتماعية، الذكريات الحلوة والمُرّة، لهجاتنا، وتقاليدنا، أصبحت الثقافة المحلية هي المحرِّك والملهم للساحة الإبداعية السعودية في الخمس السنوات الأخيرة، ما جعل الناس تهتمّ أكثر بمشاهدتها وتتفاعل معها كما لو أنها عمل فني صُنع لأجل إسعادهم، التأثير فيهم، تحريك مشاعرهم، وتحفيز أفكارهم وأفعالهم.

 

حتى لا تذهب الجهود سُدى

في مشبك، وكجزءٍ من مساهمتنا في تعظيم أثر القطاع وتعزيز الصناعة الإبداعية المحلية، بدأنا العمل منذ ثلاث سنوات على توثيق الإبداع المحلي الذي تتضاعف جهوده ونتائجه في اليوم الوطني السعودي كل عام، بكتابة وإصدار تقارير متخصصة تجمع وتوثّق الإعلانات الحكومية والخاصة المُنتجة في تلك السنة. تقارير ترصد أدوات وتوجهات إبداعنا. لا تقيّمها، بل تصفها وتحللها وتحفظها لتكون مرجعًا وثيقًا يحتفي بالصناعة الفكرية المحلية، تمكّن أي شخص من الرجوع لها.

هذه المبادرة وإن كانت سابقة محلية، إلا أن من الجهات العالمية ما يتبناها أيضًا، مثل موقع «Ads of the World» الذي يجمع إعلانات كبرى الشركات العالمية وغيرها، مقسمةً حسب مجالها أو مناسبتها ليسهل الوصول لها.

 

الإعلانات هي وسيلة لا غنى عنها للتعبير، توصل الرسائل وتمرر الأفكار، تعزز المفاهيم وتحفز القيم. وهذا ما يجعلنا نتعامل معها بكل جدية كمُخرجٍ أساسي وطني يبني هرم الإبداع المحلي ويرسم مشهدنا في الساحة، نهتم بتطوره وتقدمه، ونتابع عن قُربٍ تحديثات عالمه.

 

المراجع

1

2

3

, ,

meshbak_admin

0 تعليقات

اترك تعليقاً

قم بتنزيل هذا المستند
أدخل عنوان بريدك الإلكتروني لتنزيل هذا المستند